كتاب “المختصر في سر غياب المنتظر”

نعتمد في هذه الدراسة على الشواهد القرآنية لبيان الأسباب المنطقية التي تقف وراء استمرار غیاب ولي العصر علیه السلام، مع الترکیز على دوافع القضاء على الظلم وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية على كل المديات. في هذا السیاق سنغض النظر عن علامات الظهور المنصوص عليها في الروايات، وعن الأحداث المميزة لظهوره عليه السلام، وما سيتزامن معها أو ما يعقبها من تغيرات وتحولات. وسأکتفي بالحديث الشریف المتواتر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واصفا الإمام علیه السلام بکونه: “يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماً وجوراً”[1]. مما یعني أن سبب ظهوره علیه السلام هو امتلاء الأرض بالظلم والجور. وبالتأكيد أن البحث لا ينكر باقي بواعث وشروط الظهور بل هي من مكملاته ومن أدواته.

إن في هذا البحث دعوة للمترقب والمنتظِر أن يكون جزءا فاعلا في مشروع المهدي عليه السلام لبسط العدل وإقامة القسط، ويتم ذلك بفهم فلسفة الظهور لا على أساس روائي يتحرى فيه المسميات والتي أغلبها لا تتطابق والمسميات في هذا الزمان على أقل التقديرات، ولا يكرس الجهد في دراسة المتغيرات في الأزمان ليرى تطابقها مع كل شروط الظهور، بل سأكتفي بتحري شرط واحد وهو ما ذكرناه أعلاه. وهذا لا يعني أن البحث ينكر باقي شروط الظهور. وإنما يضع طريقة لتحريك الإدراك الإنساني في فهم المشروع الإلهي في إقامة دولة العدل كما رسمها القرآن الكريم. ويحث الإنسان الحريص على إقامة دولة العدل في أن يكون فاعلا ومجّدا وناشطا للتمهيد لها سواء أدركها أم لم يدركها.

وعلى أي حال فإن التكليف الشرعي تجاه الحجة عليه السلام هو انتهاج طريق التهذيب والسلوك الإسلامي المبني على العدل في كل مناحي الحياة وينطلق ذلك من الفرد للوصول الى غاية تحقيق الدولة العادلة، لا أن يساهم في زيادة الظلم ظنا منه أنه سيساهم في توفير شرط الظهور مما يتنافى تماما مع المنطق والعقل بل والشريعة.

كما أن دراسة الشواهد القرآنية التي تتناول محاربة الظلم ستعین الممهدين لدولة العدل علی رسم خارطة التمهید لها وبناء أسسها عبر التلازم الوثیق بين إعداد النفوس المهذبة والإیمان بالعقیدة المهدوية، وتجسيد ذلك في الوقائع المیدانیة والحیاة العامة، باعتبارهم الممهدین للمهدي سلطانه وحکمه. قال عز وجل في وصف هؤلاء الممهدین المتطلعین لحکومة العدل الالهي: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلوُاْ الصَّـالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ)[2].

کما إن الدراسة هذه أشارت الى أن انتشار الظلم قلیلا کان ام کثیرا له تداعياته الخطيرة علی المجتمع البشري، وإن الأخطر منه هو شرعنة الظلم وشرعنة اضطهاد من يقف بوجهه ویرد علیه.  وهذا النوع من الظلم المقنن سيتصدی له الحجة المهدي بن الحسن عليهما السلام وسیجتث جذوره کونه یتعارض مع شریعة الاسلام الداعیة الی العدل ورفع الحیف والظلم عن الناس کافة.


[1] صحيح سنن أبي داوود 4282.

[2] النور 55