تناول البحث مفهومين قد يكونان جديدين، وتمت مناقشتهما من خلال الآيات البينات. وهما أن الحياة قائمة لكل شيء في الموجود فلا موت لها بالمعنى المتعارف عليه إلا قبل القيامة، وأحد أدلة ذلك هو التسبيح المستمر ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [سورة الإسراء: آية 44]. فإن كل ما في الموجود له حياة. وإن ماتت الأحياء بسلب الروح عنها وتبلى أجسادها، فسلب الروح هو لإيقاف الفعاليات الحيوية فقط، فأجزاؤها تستمر فيها الحركة وستبقى تسبح.
والحياة هنا تعرّف بالحركة وليس بصفات التنفس، والتكاثر وغيرهما من الفعاليات الحيوية المتصف بها ما متعارف عليه بالكائن الحي (الحيوانات والنبات وغيرهما). والتي تنتهي بسلب الروح منها. وهي التي حدد فناؤها بالآية الشريفة ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [سورة الرحمن: آية 26]. فليس الموت الكلي وهو الهلاك يتم بسلب الروح منها بل هو بسكون الحركة الدائبة في الجوهر.
أما الأمر الثاني فهو ما بعد النفخة الثانية أو ما تسمى بنفخة الإحياء وهما قبيل قيام القيامة وانتهاء الحياة الدنيا، فبعدما تعود الأرواح لأجسادها المتناثرة، وبعدها لا يعاد سلب الأرواح (والله العالم) بل تتوقف الحركة وتسكن.. فينهار كل شيء ويصبح هباءً منثورا وكثيبا مهيلا ثم سرابا ثم هباء، وتعود السماء بعد تشققها وضعفها دخانا. وخلاصة تلك المشاهد المهولة، وكيف سينتهي الكون وتقوم القيامة ترسمها الآية الشريفة: ﴿إِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ [سورة الحاقة: الآيات 13-16]، “والذي سبق إلى الفهم من سياق الآيات؛ أنها النفخة الثانية التي تحيي الموتى”[1]. إن وجودنا قائم على حركة مكونات الذرة (وهي أصغر مكونات المادة، وهي جوهرها) وهي حركة دائبة دائمة في كل شيء، وفيها يتحرك الإلكترون، وبسكون هذه الحركة الإلكترونية فحينئذ سينهار الكل ويهلك، سواء كان الهلاك بالعدم أو بتفريق الأجزاء وإن كنتُ أميل الى الثاني، ويومئذ يتحقق الهلاك ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [سورة القصص: آية 88]. إن هذا البحث لم يتعرض الى غير الظواهر الكونية متجاوزا بذلك كل ما يتعلق بالإنسان ضمن مشاهد يوم القيامة هذه وما قبلها، لكثرة ما كتب حوله.
[1] الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1401 هـ)، ج19، ص 397